موضوع: محمد عفيف الحسيني:مجلة(حجلنامه) جزء من ولع الكوردي الأربعاء 1 أغسطس - 10:45
ثقافة كردية: محمد عفيف الحسيني:مجلة(حجلنامه) جزء من ولع الكوردي بالعربية وغايتها التدوين الثقافي والاقتراب من التخوم الممنوعة
أجرى الحوار: قيس قاسم - غوتنبورغ "حجلنامة"، مجلة متميزة بكل المقاييس الابداعية، كشفت من خلال زمنها القصير عن رؤية منفتحة على الآخر، الجارالعربي، متخلصة من عقدة النقص إلى رحابة الأفق الانساني، أمسكت بالهاجس الثقافي وتركت السياسي بعيداً، معتمدة على فهم يغلب التقارب الحضاري على صراعه، وهذا ما يتلمسه قارئوها بوضوح. غير أن المجلة، وبسبب من هذا التوجه، تعاني من صعوبات، وتعيقها حواجز كثيرة تمنعها من أداء دورها كاملاً، عن كل ذلك حدثنا رئيس تحريرها، الشاعر محمد عفيف الحسيني. * اللغة تصنع العالم كما يقول غوته، كيف تعكس (حجلنامه) عالمكم الثقافي الكوردي، وهي تكتب بالحبر العربي، كما جاء في إحدى افتتاحياتها (أي لماذا العربية، والشعب الكوردي يريد انتزاع حقوقه القومية، ومن أوليات ذلك ترسيخ لغته القومية)؟
ـ لقد كتب حتى الآن، باللغة العربية، نصف الشجن الكوردي! ومساهمة الكرد في تدوين اللغة العربية وآدابها، لايخفى على أحد؛ وبالتالي، حجلنامه هي جزء من هذا الولع اللغوي، وجزء من ولع الكوردي بالعربية؛ لكن، هذا لايعني، أن حجلنامه، احتكرت الكتّاب الكرد بالعربية فقط، بل، حاولت أيضاً، نقل آدابها مباشرة من الكوردية إلى العربية، للجار العربي، الذي أَهمل نهائياً، وربما تجاهل هذا الشجن وهذه اللوعة. بالطبع، لم تكن غاياتنا في المجلة، غير هدف بسيط جداً، لكنه صعب جداً أيضاً: كيف يمكن تعريف الآخر بالثقافة الكوردية؟ لم تكن المهمة يسيرة، وماكان الهوى يترقرق كثيراً بين أيدينا، في ظل التشرذم الكوردي البليغ، لغة ووطناً وتشتتاً في المنافي؛ أيضاً يمكن القول بأن حجلنامه لم تتبنَ أبداً ترسيخ لغتها القومية، وهذه من مهام الأحزاب أولاً، والمؤسسات ثانياً، والإعلام الكوردي (بالكوردية) ثالثاً. وليس في اليقين أن مجلة ثقافية تستطيع فعل ذلك. * مفهوم الثقافة أوسع من مفهوم الابداع (شعر، قصة.. الخ). أين باقي مفردات الثقافة الكوردية؛ أي الجوانب الأخرى التي لم تغطها المجلة إلى الآن: معمار، سينما ...الخ؟ ـ صحيح، لكن، لم تهمل المجلة الجوانب الأخرى من الثقافة الكوردية، بل أزعم، أنه قلما استطاعت مجلة كوردية بالعربية فعل ذلك، رغم تجربتها الزمنية الخاطفة. وفي القاء مسح سريع على الألف والمئتين من صحائفها حتى الآن، ستجد ذلك: الشعر الكوردي، استقراءات نقدية، النثر، الرحّالة إلى كوردستان، الأدعية الإيزيدية القديمة، الحكاية، الأسطورة، القصة، الكورد في لغة الآخر غير الكوردي، المعتقدات، التشكيل، التاريخ، وأخيراً ابداع المرأة الكوردية بكافة تجلياته. الأمر ليس بهذه الانسيابية في الإعداد، بل تجاوز إلى محنة الجمع والترجمة من لغات عديدة: الكوردية، والتركية، والفارسية، والانكليزية، والفرنسية، والألمانية، والروسية، ومادوّن أصلاً بالعربية. أين المعمار الكوردي على أرض الواقع في كوردستان الحقيقية المذبوحة، وحجرها المذبوح؟! في الظن أن هذا المعمار أيضاً تجلى في السرقة من قبل الغير، أو لم تظهر معالمه جلية، أو لم تظهر معالمه الأركيولوجية تماماً، ماعدا مكتشفات الجزيرة في أوركيش تحديداً: كري موزا، وتل الفخارية، وهذا ما عالجناه، ولم نفته، لكن المعمار بمفهومه المعاصر، لم نجد له من أثر كتابي نشط؛ فقط في الفترة الأخيرة، صادفنا كتاب المهندس "آزاد أحمد" عن القرى الطينية في الجزيرة، وهذا علم بدأ يتشكل كوردياً شيئاً فشيئاً. أما السينما، فأيضاً، هي من الفنون المستجدة، وإذا استثنينا الفذ "يلماز غوني"، فان السينما الكوردية، ظلت تعاني من الأيديولوجيا الفادحة الدعائية السطحية والفجة، ومن ندرة الخبرات الفنية الاحترافية، وبالتالي، لم نستطع الاقتراب من هذا الفن المتشكل حديثاً في الابداع الكوردي المشتت. يلماز كان في خطة المجلة، من حيث تهيئة ملف شامل عنه، والتنقيب عن حياته المغامرة الخاسرة الأليمة، لكن، كان الأمر يحتاج إلى تواجد في باريس، والنبش عن ملفات مركومة ضائعة، كان الأمر يحتاج إلى مساعدة من مؤسسة عتيدة موجودة في باريس، لاأدري ما شأنها هناك!، فلم نستطع أن نحقق رغبة دفينة في تقديم يلماز بما يليق به، دون صخب، ودون شطحات مبالغة عن عبقريته. * تريد المجلة سد فراغ في الثقافة الكوردية! هل باقي مناطق كوردستان عاجزة عن ملء هذا الفراغ؟ ـ لاأظن أننا طرحنا الغاية بهذه الحدة والزهو المبالغ، فالمجلات الكوردية الثقافية في كوردستان وفي المنافي، أكثر من أن تحصى، وقد توقف الكثير منها، أعني المجلات بالكوردية المهتمة بالشأن الثقافي، لكن، بالعربية، هي نادرة، إن لم أقل معدومة، وميزة حجلنامه ـ أزعم ـ أنها ربما سدت هذا الفراغ. أعني أنها فصلت السياسي عن الثقافي، ولم تلتفت كثيراً إلاّ إلى الغاية التي حددتها، أي التدوين الثقافي فحسب. وإلى حد ما، الاقتراب من التخوم الممنوعة (الإيروسية)، والأدب الشفاهي وما اندثر، أو الموشك على الاندثار في أرجاء كوردستان (الحجرات الفقهية العلمية) على سبيل المثال. * تعاني حجلنامة من صعوبات مالية وفنية، وهي المجلة المتميزة والجادة كما يشهد الجميع، هل هناك موقف منها، أعني موقف من الجهات القادرة على دعمها؟ ـ لاأدري تماماً موقف الآخر الكوردي الحزبي منها، الأمر متروك لوجدان هذا السياسي الحزبي، وصحافته ومتابعته لأمر حجلنامه. لكن، المجلة لم تتلقَ أي دعم عيني من أي حزب، القادر منه، وغير القادر. وبسبب اختناقها المادي، تم العمل من أجل تدوينها الكترونياً في موقع ما. وطموح بهذا الحجم الكبير، بالتأكيد يتأثر قبل كل شيء بالمال، المال الذي افتقدته حجلنامه، ورافقها هذا الشح إلى الآن، ليس في الأمر مايدعو إلى الأكثر من الأسى: أن تثبت المجلة موقعها بامتياز ابداعها، ثم يتنازعها الافلاس. ويتأخر اصدار كل عدد بسبب من عدم توافر أثمان الطباعة، وهي ليست بالقليلة، في بلد يعاني من غلاء فاحش مثل السويد. * السوراني والكرمانجي، فرعان رئيسان للغة الكوردية، تعكسان ثقافة الأكراد المتكلمين بها، وتعكسان أيضاً تنوع متحدثيها جغرافياً وحضارياً، كيف وازنتم هذا التنوع في مجلتكم؟ ـ هي الموازنة تتأتى في بلاغة النص وقوته، سواء بسواء في اللهجتين الأساسيتين، لم يكن لنا من ميثاق مع الكاتب الكوردي، غير ميثاق جرأة اللغة مسجلة في أعراف الابداع، ومنتسبة إلى روح هذا الكوردي وهويته التي تتجرأ وتقول مبادلاتها وحرائقها وإيروسيتها وحيواتها الغاضبة وقلقها الجبلي وكيانها وجغرافيتها الشاسعة المنهكة والمنتهكة، لم نكن رقباء/ مخابرات في فقه العذاب الكوردي بلهجتيه الشقيقتين، كانت حجلنامه مصانة من هذا الانشقاق، وفعلت ذلك بيقين عش كوردي في المنفى السويدي. * تبدو المجلة، ومن خلال قراءتها أنها نخبوية، هل هي كذلك؟ ـ نعم. بامتياز، هي مجلة نخبوية. وكانت صارمة في ألا تتحول إلى المشاع، المبذول. * كيف نظر المثقفون الأكراد والعرب إلى هذا الجهد؟ ـ ربما هنا، يقين حجلنامه بأنها، اقتربت في مسلكها من عدوانية خجولة غير مفهومة، وكذا من حب منبسط، مثل ظلال وديعة جريئة. وأنا أستعيد استقبال الكرد والعرب للتجربة، أستذكر برفاهية اللغة، حادثتين، الأولى: قام شاعر كوردي في سوريا باستعراض احتفائي بصدور العدد الأول من مجلة كوردية اسمها حجلنامه، في جريدة الكفاح العربي اللبنانية، فتعرض للمساءلة الشديدة. لكن، بالمقابل الثقافي العربي الرقيق والنادر جداً: الصحافة العربية في المنفى ـ استثناء الزمان بعدائها ـ ، الصحافة الخليجية، المواقع الالكترونية العربية، المواقع الكوردية الالكترونية ـ استثناءً المبتدئين المشرفين على بعضها ـ، كانت المتابعة من لدن هذا الإعلام مسراً للرغبة في آفاق أكثر ولعاً بالجديد الابداعي الكوردي، وبالجديد اخراجاً ولغة وموضوعاً. والثانية: ثمة صحافي كوردي موسوعة في تدوين تاريخ الصحافة الكوردية منذ بداياتها القاهرية الرائدة، إلى اليوم، إسمه جمال خه زندار، العاكف منذ سنوات على إنهاء مجلداته الكثيرة حول هذه الصحافة ـ بالكوردية تحديداً ـ، أضاف حجلنامه إلى موسوعته، وهي ـ أعني حجلنامه ـ بالعربية. * هناك جزء مغمور من الثقافة الكوردية، وأعني ثقافة الكرد قاطني مناطق روسيا، هل فكرتم بتغطيته، وكيف؟ ـ نعم، وبالضبط ماسنحاول انجازه في العدد القادم، بالرغم من أننا لم ننسَ هذا الجانب، بل نشرنا قصيدة لشاعر ورائد من هناك اسمه "جاسم جليل"، كذلك مقالة مفصلة وشاملة ودقيقة عن الوضع الكوردي الثقافي ـ في إطاره السياسي التاريخي ـ في جهات روسيا المعذبة النافرة القاسية الفظة، الأكثر بطشاً بالكورد وثقافتهم، زمن ستالين، أيضاً مقالة ممتعة عن الكورد الأسرى هناك، زمن حرب القرم. بالتأكيد يجب تقديم هذا الأدب الرائد هناك، والذي يتعرض الآن للنسيان المطلق؛ ويتعرض كتابهم إلى اهتراء قمصانهم من العوز والجحود والبطالة، كما تعرضوا سابقاً إلى منافي سيبريا في الزمن الشيوعي السعيد!. سندون كل هذا في العدد القادم من حجلنامه. * الجهد المبذول في حجلنامة شخصي ومحدود، والعمل بهذا الشكل متعب دون شك، ألا تفكرون بتحويل هذا الجهد الفردي إلى مؤسساتي؟ ـ المؤسسة هي أموال، وإدارة بليغة في الأداء. لا نملك المال، ولا بلاغة المدراء. * ماذا يعني اسم حجلنامه؟ وإلى أية مديات يريد أن يحلق هذا الطائر الكوردستاني الجميل؟ ـ حجلنامه: رسالة الحجل. سألوا مرة الجنرال ملامصطفى البارزاني: أين تنتهي حدود كوردستان؟ فأجاب: حيث يحط الحجل. مدى حجلنامه، حيث يحط الحجل.
أكثر خبر قراءة في ثقافة كردية: حسن زيرك .. صوت كوردي خالد لا يمحوه الموت
محمد عفيف الحسيني:مجلة(حجلنامه) جزء من ولع الكوردي