ضع نفسك مكانه ليوم واحد ماذا تراك فاعل !
لافـا خالد ـ الجزيرة توك ـ القامشلي
" فرحو مشو" أحد المجردين من الجنسية: سلمت شكواي إلى الرئيس بشار الأسد يدا بيد"!
فرحو مشو أب يعيل أسرة مكونة من ستة عشر شخصاً،لم يجرد من الجنسية بموجب إحصاء 1962 عندما همت السلطات بحملة تجريد عشوائي في محافظة الحسكة ، طالت أكراد المحافظة، وإنما لحكايته ظروف مختلفة تلت تاريخ الإحصاء المذكور. يقول فرحو :" كنت مجندا في الجيش السوري منذ عام 1963وحتى عام 1966.
وصلني أمر تبليغ بأنني معفى من خدمتي لورود اسمي في قائمة جديدة هي نتيجة لإحصاء الـ 62 على ما يبدو ولم يضيفوا لي أية أسباب تذكر ؟ "
أجدادي بنوها!
فرحو كما يقول هو من السكان الأصليين في المنطقة ، وأخوته ما زالوا يحملون الجنسية السورية ، ولديه أوراق وإثباتات كثيرة تقول انه مواطن سوري.
وهو لا يخفي استغرابه طويل الأمد من انقسام عائلته بين مواطنين ومجردين فيقول ؟
" كل الإثباتات التي توثق امتدادي الأصلي لهذه الأرض، فقرية (خراب رش) التابعة لمدينة الجوادية حاليا والمعربة حاليا باسم ( دير حافر ) هي قرية بناها أجدادي، وجميع قاطنيها ينتمون إلى عائلتي.. كيفي لإخوتي أن يحملوا الجنسية السورية في حين تجردت أنا منها تعسفا ؟! أي قانون شرع ذلك؟! , أي مذهب في الأرض يحرمني من حق الانتماء لهذه الأرض التي خدمت سنوات من عمري في حمايتها وخدمة علمها؟! ومن ثم كيف تسلب أملاكنا أراضينا؟! "
بين ليلة وضحاها تغير كل شيء بالنسبة لفرحو ولأولاده، وكأنه انتقل من عالم لآخر، فهو لم يعد رقما في قائمة المكتب المركزي للإحصاء، وباختصار شديد ، فرحوا أصبح لا شيء،موجود لكنه ليس موجودا،عليه واجبات وليست له حقوق:
" كانت هذه بداية المأساة التي صعقتني في حياتي وكانت نقطة تحول من واقع سيئ إلى أسوأ، ادفع ضريبتها يوميا مع أولادي الذين لاذ نب لهم سوى إنهم ضحايا قانون صيغ بمفهوم عنصري تمييزي دون أدنى مراعاة للحقوق الإنسانية البسيطة , بدأت العائلة تكبر وتزداد احتياجاتها ومطالبها وأنا لاحول لي ولا قوة، ولا دخل لي أو معيل سوى عملي اليومي , شعور الحرمان من كل شيء ماكان ليفارقنا إلى حين لحظتنا هذه ".
ممنوعات
عندما يكون اسمك في قائمة الإحصاء يجردك من شقاء سنوات طويلة وتكون انت لا غيرك الضحية ،فسيكون لديك قائمة من الممنوعات وقائمة أخرى من الفواتير، ليس بوسعك ولا بوسع صاحب هذه المأساة حمل أعبائها:
"من الناحية الاقتصادية كان حجم الدمار يتوضح في كل لحظة تمضي من عمري , فأنا وأولادي محرومون من حق العمل في الوظائف الحكومية ، ولو أن معظم أولادي قد حصل على ارفع الشهادات العلمية. ممنوع علينا الحصول على البطاقات التموينية التي تعادل دفتر العائلة أو ( البون) وعلينا أن نتصارع مع غلاء الأسعار وجها لوجه ؛ نشتري كيلو الشاي المهرب أصلا بمبلغ 365 ليرة سوري، والحال كذلك بالنسبة للسكر والرز، وكل ذلك كان يجري والحكومة تلاحق كل من يبع السكر أو الشاي أو الرز دون إذن منها لذلك كنا نضطر التعامل مع مواد تدخل البلد بالتهريب ، وانتم تعرفون انتهازية التجار الذين تركتنا الحكومة تحت رحمتهم ورحمة أسعارهم ،و كان علينا في نفس الوقت ان نتدبر لقمة العيش بمفردنا "
لا تعليم،لا سفر، و لا طبابة!
يتابع فرحو سرد معاناته، والآثار التي خلفها شطب اسمه من سجلات الأحوال المدنية، فيقول لنا:
" من الناحية التعليمية اضطر قسم من أولادي إلى ترك مقاعد الدراسة محبطاً، في وضع حكم عليه بالإعدام حتى الموت. منهم من تيقن بعدم فائدة الشهادة في غياب الجنسية فهي لن تفيده في لقمة عيشه بشيء ، ومنهم من ترك ليعيل الأسرة الكبيرة في واقع كل شيء فيه باهظ الثمن، ومنهم من حصل على الشهادة وهو جليس البيت ، ومن الناحية الاجتماعية كان ينظر إلينا دائماً على أننا مجردون من الجنسية لا نملك وثائق، فإذا اضطررنا لتأجير بيت أو شراء وسيلة مواصلات فالتعامل مع المجردين أمر صعب ويدخل المرء بمتاهات، والى هذه اللحظة يعاملنا المجتمع بهذه العقلية، والكثير من الناس يرفضون تزويج بناتهم لشاب مجرد من الجنسية إذ أنه ليس بإمكانه تثبيت عقد زواجه ومن ثم أطفاله سيبقون مكتومي القيد، ولن يحق لهم إتمام التعليم ابعد من البكلوريا، ولا يحق لهم وثيقة سفر، فالهوية التي تمنح لهم غير صالحة لوثائق السفر.
أما على الصعيد الإنساني فقد عانينا الأمرّين؛ لم يسمح لنا بالتداوي في المشافي الحكومية وحرمنا من النزول في الفنادق إلا بعد الحصول على موافقات أمنية !
كانت مهمتي مزدوجة، فعليّ أن أكون السند الذي يحمي أولادي ويعطيهم الثقة ويقيهم صدمات الحياة المتكررة، و علي أيضا أن أستمر في المطالبة بحقوقي التي انتزعت مني قسرا"
هل أنت من تركيا؟
منذ 1966 تقدم فرحو بمجموعة من الشكاوى إلى ارفع الجهات المسئولة في الحكومة السورية. أرسل شكوى إلى مكتب الرئيس الراحل حافظ الأسد ، طالب فيها فقط ،بحق حصوله على البطاقة التموينية ، وأرسل شكاوى أخرى كان آخرها رسالة سلمها باليد للرئيس بشار الأسد
" كان صعبا على أي إنسان أن يتحمل ما نتحمله ، استمريت في النداء، تقدمت باعتراض إلى رئاسة مجلس الشعب، إلى مكاتب المسئولين، إلى المحافظ ،إلى رئاسة مجلس الوزراء ،إلى الرئيس بشار الأسد، سلمته الوثيقة شخصيا يدا بيد أثناء زيارته إلى محافظة الحسكة.. إلى لحظتنا هذه لم أتوقف عن المطالبة بتصحيح وضعي وكل المجردين.. لم اترك اعتصاما أو تظاهرة إلا وكنت من الفاعلين والمشاركين فيها، لأشرح هذه المعاناة الإنسانية.
اعتقلت في 28/3/1990 أثناء مشاركتي في اعتصام عام للمطالبة بإعادة الجنسية للمجردين منها بموجب إحصاء 1962 وإعادة كل من سلبت أرضه ومن ثم تعويضه , أوقفوني في إدارة مكافحة الشغب في ساحة الميسات.. طبعا فرقوا المظاهرة حينها ووضعونا في باصات.. منهم من انزل قسرا في السيدة زينب، ومنهم من تفرق ابعد من ذلك ومنهم من توقف للاستجواب .
سألني العقيد حينها هل أنت من تركيا ؟
أكاد لا اصدق العقلية التي تتهمنا بالنزوح من تركيا إلى سوريا وأيا كان الموضوع أليست هي اتفاقية حقوق الإنسان التي تفرض منح الجنسية لكل من أصبح له خمسة سنوات في دولة ما أو يمنح المرء مباشرة جنسية الدولة التي يولد الطفل في أجوائها الإقليمية فكيف لأجدادي وهم ولودا هنا ؟!
كان ردي للعقيد بأنني املك الوثائق التي تثبت أنني من أصحاب الأرض ولم ترى عيني تركيا ولا أجدادي, أجابني بأنني ربما حالة شاذة، قلت له:
طيب..صلحوا الحالات الشاذة وكثر الله خيركم!!
مرّة ، ومرّة..
لم يتمكن فرحو على هذه اللحظة من تثبيت بيتيه في وثيقة رسمية باسمه الشخصي، تثبت ملكيته لمنزله،وجميع محاولاته الحثيثة لفتح محل صغير يسترزق منه وأولاده باءت بالخيبة،والآفاق أمامه باتت مسدودة. وحول الوعود التي تطلقها الحكومة لتسوية وضع المجردين من الجنسية يقول فرحو:
"لا أعلم متى هي اللحظة التي سيوضع فيها حدا لهذه الانتهاكات... استهلكوا قضيتنا تحت يافطات كثيرة: مرة يقولون : المسالة منتهية , ومرة يقولون: رتوشات صغيرة، ومرة: على رأس السنة ، ومرة : المسألة تقنية وإنه برواز يحتاج إلى ديكور خاص، ومرة: إلى أن ننتهي من القضايا المصيرية كالقضية الفلسطينية ،ومرة: أحداث القامشلي عطلت الموضوع، ومرة ومرة...
منذ 1962 والى يومنا هذا ونحن نعيش على الوعود المعسولة، نعيش في حرب نفسية بائسة استنفذت قوانا ولازلنا نتأمل أن نصبح مواطنين فاعلين في وطن نعتز بانتمائنا له وهو لنا جميعا
/**/