لاتزال أربيل مصدومة من تطاول يد الأجرام الى أثارها!! فالمدينة التي تعيش مع شقيقاتها الأخريات في أقليم كردستان العراق، " زهوا أمنيا " و " أستقرارا " قل نظيرهما في مدن وسط وجنوب العراق، تعرض متحفها الأثري في كانون الأول الماضي، الى سرقة مقتنيات أثرية كانت معروضة في صالاته، لاتقدر بثمن!!وعلى الرغم من الأجراءات الأمنية، والأمان في المنطقة، تمكنت عصابات سرقة وتهريب الأثار، التي تنشط الآن في عموم العراق، الوصول الى بناية المتحف في قلب المدينة، وكسر خمسة أبواب فيه.وقال كنعان المفتي مدير عام دائرة الاثار في وزارة الثقافة، إن ما سرق من المتحف له اهمية اثرية كبيرة منها على سبيل المثال اختام اسطوانية وعملات قديمة.يكتسب هذا الحادث أهمية في منطقة تعيش فوق تراكمات أثرية سحيقة القدم، تمثل أدواراً تاريخية متعاقبة، منذ أن عرفت أمنا (الأرض) أولى تجارب الحياة الأنسانية في زمن لا يعلم امتداده وتحديده أحد.قلعة أربيل التاريخيةولعل من أبرز الدلالات التاريخية، على عراقة أربيل وقدمها، قلعتها الشامخة، الشاهدة على قصة هذا الشعب المكافح الذي صارع الحياة من أجل " حياة أفضل ".قد لايخلو أي حديث عن أربيل إلا والقلعة ضمنه. فهما يرتبطان أرتباطاً وثيقاً لا يمكن فصله او تجاهله، زاد قوة علاقاتهما، الحصانة والقوة التي أكسبتاهما القلعة لمدينة أربيل بوجه الغزوات الكثيرة والمتعاقبة التي مرت بها. يقول القزويني في هذا الصدد: " إن هذه القلعة كانت من الحصانة بالشكل الذي أعجز المغول عن أقتحامها رغم أنه لم يفوتهم شيء من القلاع والحصون" حين هجم المغول لأول مرة عليها سنة 630 للهجرة (1633) ميلادية، أثر وفاة السلطان مظفر الدين كوكبري والتي جوبهت بشدة من قبل أهالي أربيل، وأعادوا الكّرة مرة ثانية عام 1637م، حيث أعتصم أهالي المدينة داخل قلعتها بينما عاث المغول في الأرض نهباً وفساداً وتخريباً للدور وأحراق وقتل ما لا يحصى من السكان، قبل مغادرتهم أياها. كما نقل عن (أبن واصل) صمودها أمام التاباكي (عماد الدين زنكي) مؤسس أتابكية الموصل حين حاصرها سنة (526) للهجرة، محاولاً ضم المدينة الى أمارته. تشغل القلعة مركز مدينة أربيل، تلتف حولها بقية المناطق والمحلات السكنية وبصورة دائرية تقريباً. زار مدينة أربيل الكثير من الباحثين والرحالة الذين مكثوا فيها، وسجلوا ملاحظاتهم عنها وعن قلعتها وسوقها القيصري الشهير وسكانها. يقول ياقوت الحموي الذي زار المدينة مرتين في كتابة (معجم البلدان) معطياً لقلعتها التاريخية، وصفاً دقيقاً: " ان القلعة تقع على تل واسع وهي أكبر مساحةً من قلعة حلب (سوريا)ضامة في أزقتها وشوارعها، مدينة كاملة من الأسواق والمنازل وجامع للصلاة، بالأضافة مدرسة القلعة". لقلعة أربيل بوابتان، أحداهما البوابة الجنوبية وتشرف على الميدان، فاصلة القلعة عن سوق أربيل القيصري، وبانيها هو مظفر الدين كوكبري والثانية هي البوابة الشمالية (الأحمدية).يختلف الكثير من الباحثين حول أسم القلعة وتاريخها، لكن الأغلبية تتفق على قدمها واصالتها. السيد كنعان رشاد المفتي، المدير العام للأثار في اقليم كردستان العراق، تحدث عن برامج وخطط المديرية حول صيانة أثار كردستان.حيث قال إن قلعة أربيل مرت بأدوار تاريخية متعاقبة من (السومرية، الأكدية، البابلية، الأشورية، الميدية، الرومانية، الساسانية والأسلامية).ضيف: "حيث سُميت في الفترة السومرية وفي زمن الملك شولكي بـ (أوربيلوم) بينما كان (أربائيلو) أسماً لها بالفترة الأشورية و(أربيلا) في الفترة الرومانية و(أربيل) بالفترة الأسلامية. لكنها الان تحتفظ بأسمها الكردي وهو ( هه ولير).وعن مساحة قلعة أربيل، يقول: " تبلغ مساحة القلعة 110 الف متر مربع مقسمة الى ثلاث محلات رئيسية هي السرايا وتوب خانة والتكية. حيث كانت السرايا تمثل الدوائر ومؤسسات الدولة الرسمية والمبنية فوق القلعة، أما التكية فهي نسبة الى وجود التكية القادرية فيها، وتنسب محلة توب خانة الى وجود مدفع قديم في الجهة الجنوبية الغربية منها.وحول نوعية المشاريع الأعمارية والترميمية الجارية الآن في القلعة، يضيف المفتي : "بدأ العمل بمشاريع صيانة القلعة بعد الستينات من القرن الماضي، حيث شكلت لجان مختلفة وأُستملكت عدد كبير من المنازل المحيطة بها بغية تطويرها الى مرافق سياحية، فمن مجموع (506) داراً سكنية مسكونة بأحيائها، أُستملك (231) داراً سكنياً منها.الحكومة الأقليمية الكردستانية تحاول في إطار خططها وبرامجها لجعل الأقليم مركزا حضاريا يجسد طموحات الكرد في حكم أنفسهم بأنفسهم، تنشيط المرافق السياحية الأثرية لجذب السياح وإثارة أهتمامهم وتنظيم المؤتمرات حول كيفية العناية بالأثار والحفاظ عليها من عبث اللصوص وعصابات التهريب.ومن يطالع الصحف المحلية الكردستانية، او يتابع المحطات التلفزيونية والأذاعية، يجد يوميا تقارير ومقابلات من مسؤولين، حول ضبط شبكات تهريب تحاول تهريب أثار كردستان الى الدول المجاورة، خصوصا ايران!
مؤتمر حول الأثار في أربيل
وفي آذار من العام المنصرم، شهدت أربيل مؤتمرا هاما لبحث كيفية صيانة قلعة أربيل.عن المؤتمر قال السيد المفتي: " عقد المؤتمر في 27 آذار 2004 بمدينة أربيل، تحت شعار" إعمار قلعة هه ولير ( أربيل ) حماية للتراث الأنساني وأعتبر المفتي المؤتمر بأنه كان "مؤتمرا دوليا شارك فيه مندوبون من أيطاليا والولايات المتحدة الأمريكية وفرنسا بالأضافة الى أكثر من (50) باحثاً أثرياً ومؤرخاً من كل محافظات ومدن العراق. تم تقديم (20) بحثاً حول سبل تطوير والحفاظ على أثرية القلعة. خرج المؤتمر بأكثر من (20) قرارا وتوصية حول وضع آلية للعمل فيها ".ومن مقررات المؤتمر المذكور:
• هدم بوابة القلعة الحالية التي أحدثت بشكلها الحالي تغييراً كبيراً لمعالم العمارة الكردية المحلية، ولا زالت البوابة السابقة المبنية عام 1860م من قبل (أسطا أسماعيل السني) باقية في ذاكرة أهل المنطقة، وقام النظام السابق بتغير معالم البوابة عام 1980م.• جعل القلعة مرفقاً، سياحياً وذلك بوضع الضوابط والمقررات التي تقرها المؤسسة العامة للسياحة، مستفيدة من الدور المجانبة لها او تلك التي ما زالت محتفظة بتراثها الهندسي القديم.• أستحداث عمليات التنقيب فيها الأهتمام بالحرف اليدوية، الفلكورية ونقلها الى القلعة.• أكساء شوارعها بالطابوق وكما كانت سابقاً.
• صيانة الدور التراثية ووضع برنامج حول كيفية مد أنابيب الماء وخطوط الكهرباء وأخلاء 75% من سكانها الحاليين بغرض توسيع رقعتها السياحية.
المواقع الأثارية في كردستان العراق
وعن اهم المواقع والمناطق الآثرية في أقليم كردستان، قال المفتي: " تبلغ عدد المواقع الآثرية في كردستان فقط، وحسب كتاب (دليل المواقع الأثرية في العراق) طبع بغداد لعام 1970، المثبتة في دائرة آثار بغداد وخرائط (كادسترو) أكثر من 3125 موقعاً، آثرياً، 851 منها تقع في محافظة السليمانية و 700 في محافظة أربيل و 600 في محافظة دهوك، والبقية تتوزع في مناطق كردستانية متفرقة من العراق". وأضاف:" قمنا بكشف أكثر من (10) مواقع في محافظتي أربيل ودهوك حاملةً في جنباتها تاريخاً سحيقاً لوادي الرافدين وكردستان العراق. وأثبتت التحريات التنقيبية الحاصلة في كهف (شاندر) (الواقع في جبل برادوست- منطقة بارزان) على وجود بقايا من الأثار البشرية المرتبطة بفترة تواجد الأنسان القديم (النيادرتال) قبل أكثرمن (60) الف سنة. بالأضافة الى تل (جرمو) الواقع شرق جمجمال التي أكتشفت فيها أثار قرية من أقدم أدوار العصر الحجري، كما وجدت بها بقايا الحبوب التي استعملها الأنسان في الزراعة (جرت التنقيبات من قبل بعثة جامعة شيكاغو برئاسة البروفيسور برودويد ولثلاثة مواسم عام 1948)، حيث قدرت بيوت القرية بـ (25-30) بيتاً وعدد سكانها بنحو (150) فرداً بنيت بيوتها من الطين الطوف.وحول فيما إذا كانت هناك تنقيبات أثرية جديدة في أقليم كردستان، وعدد المتاحف الموجودة فيه، كشف السيد المفتي النقاب عن: "أن سلسلة تنقيبات بدأت عام 1998 وفي عدة مواقع، منها تل (قاليج آغا) الواقع في محافظة أربيل، وأخرى في كهف (جوارستين) في محافظة دهوك و (كالاتي) في عقرة بالأضافة الى بعض التنقيبات المتفرقة وحسب حاجة الموقع"وأكد أن العمل جرى بالتنسيق مع جامعة صلاح الدين في أربيل، والمديرية العامة للآثار، حيث يقوم طلبة الأثار في مراحل دراستهم النهائية بالعمل في مجال التنقيب كما حصل في (تل قصرا) في بلدة عنكاوا. وعن عدد المتاحف الموجود في الأقليم، أوضح بأن هناك عدد من المتاحف النمطية في كردستان، تلك التي تضم حضارة وادي الرافدين حسب مراحلها التاريخية تسمى بالمتاحف الحضارية كالموجودة حالياً في محافظات( أربيل والسليمانية ودهوك وكركوك)وبمعدل متحف واحد لكل منها، بالأضافة الى وجود متحفين فلكلوريين أحداهما في أربيل والأخر في دهوك، حيث تخضع القطع الفلكورية المتواجدة فيها الى قانون الأثار الذي ينص على: " أن كل قطعة قديمة تعتبر تراثاً أذا قل عمرها عن الـ (200) سنة وتسمى (أثراً) أذا زاد معدل عمرها عن ذلك.