هل تريد التفاعل مع هذه المساهمة؟ كل ما عليك هو إنشاء حساب جديد ببضع خطوات أو تسجيل الدخول للمتابعة.



 
الرئيسيةأحدث الصورالتسجيلدخول

 

 علمانيون، ديمقراطيون، وإسلاميون؛ لكن أين الأمة؟!

اذهب الى الأسفل 
كاتب الموضوعرسالة
علماني
عضو جديد
عضو جديد
علماني


ذكر
عدد الرسائل : 28
تاريخ التسجيل : 02/08/2007

علمانيون، ديمقراطيون، وإسلاميون؛ لكن أين الأمة؟! Empty
مُساهمةموضوع: علمانيون، ديمقراطيون، وإسلاميون؛ لكن أين الأمة؟!   علمانيون، ديمقراطيون، وإسلاميون؛ لكن أين الأمة؟! I_icon_minitimeالخميس 2 أغسطس - 17:14

علمانيون، ديمقراطيون، وإسلاميون؛ لكن أين الأمة؟!

ياسين الحاج صالح

2007 / 8 / 2
في التصور المتداول عربيا للعلمانية، ثمة تركيز مفرط وشبه حصري على لحظتها الانفصالية، انفصال الدين عن الدولة، وغفلة تامة عن اللحظة الاتصالية المؤسسة لها. وأعني بهذه شيئين: اتصال الدولة بالأمة، أو سيادة الأمة، وهي جذع الديمقراطية كما هو معلوم؛ ثم اتصال الأمة بذاتها وشروط حياتها المعاصرة، بما يلبي وظيفتي التماهي الداخلي والغيرية أو الاشتراك في العصر والانفتاح على العالم.
يتعلق الأمر بالنهضة الثقافية وتطوير منظومات معرفية ورمزية وقيمية تمكن مجتمعاتنا من استيعاب شروط حياتها وتملك واقعها وإضفاء معنى على وجودها وتوسيع أفق المتخيل أمامها، أي باختصار تكون ثقافة (ثقافات) قومية متطورة أو عالمية. والمقصود بهذه ثقافة قومية نمت ثقتها بنفسها فتخطت أنانيتها الطبيعية، وأخذت تتعاون بثقة مع غيرها من الشعوب والثقافات في صنع عالم متنوع ومفتوح.
وليس بعدا اللحظة الاتصالية عنصران في إشكالية العلمانية كما تطورت في الغرب. فهذه تقتصر على استقلال الدولة أو حيادها حيال الأديان. هذا مفهوم. ففي العملية التاريخية التي تشكل فيها الغرب الحديث كان تحويل السيادة إلى الأمة، وقد تمخض لاحقا عن الديمقراطية، مقترنا بتشكل الأمة ذاتها وبروز محددها السياسي والثقافي الدنيوي على حساب محددها الديني. وكانت النهضة الأوربية التي أضفت صفة نسبية على النظرة المسيحية إلى العالم، والإنسانوية التي جعلت من الإنسان مركزا للكون ومقياسا للأشياء، والإصلاح الديني الذي فرّد الدين وأسهم في صنع الضمير، كانت أوجها لتحول تاريخي، برز انفصال الدين عن الدولة محصلة له وتعبيرا عنه في الوقت نفسه. بعبارة أخرى، للعلمانية في الغرب تاريخ، أو "ما قبل تاريخ"، يسبقها زمنيا ويؤسس لها منطقيا.
وإنما لحظتا الاتصال السياسية، أي الديمقراطية، والثقافية، أي الهوية القومية المتطورة، هما ما تشكلان المضمون الإيجابي الذي تستند إليه العلمانية بوصفها فصلا. ولا تحوز العلمانية هذا المضمون الإيجابي من تلقائها، فهي مفهوم سلبي أصلا.

سجال ديمقراطي علماني: ما الذي يغيب؟
على أن اللحظة الاتصالية السياسية قد تحضر لدينا في صورة سجالية على شكل تساؤل: علمانية أم ديمقراطية؟ أي فصل بين الدين والدولة أم وصل بين الدولة والأمة؟ كما لو أن من المحتم أن تكون العلاقة بين العمليتين إقصائية. وسنحاول هنا أن نقول لماذا تبدو كذلك في مداولاتنا، وكيف يمكن أن تسير العمليتان معا.
بداية، لا يكفي الوصل بين الدولة والمجتمع من أجل الفصل بين الدين والدولة. بلى، أكثر العلمانيين العرب الخالصين لا يبالون بالديمقراطية، إن لم يصطفوا صراحة إلى جانب الاستبداد. لكن رغم ذلك الديمقراطية لا تغني عن العلمانية. بلى أيضا، قلما يهتم الديمقراطيون الأقحاح بالعلمانية، وقد يقفون إلى جانب الإسلاميين ويغفلون عن المشكلة الدينية. ومع ذلك فإن فصل الدين عن الدولة لا يضمن تكون الأمة وتأهيل الدولة الديمقراطية. وسنقول على الفور إنه يغيب عن طرحنا قضيتي الديمقراطية والعلمانية مسألة تكون الأمة والعلاقة بين الأمة والدين. كيف ذلك؟
إن تمحور كل من الديمقراطية والعلمانية في التداول الثقافي والسياسي العربي حول الدولة، هذه التي يراد فصل الدين عنها مرة ووصل الأمة بها مرة، يبقي العلاقة بين الدين والأمة خارج التفكير. إذ بينما تنشغل الديمقراطية بوصل الدولة والأمة، وتهتم العلمانية بفصل الدين عن الدولة، ليس ثمة مقاربة فكرية سياسية تعنى بأمر العلاقة بين الأمة والدين. هنا ثمة فراغ فكري وسياسي، هو الذي يملأه الإسلاميون. فهؤلاء يصادرون على تطابق الأمة والدين، الإسلام بالطبع، وتاليا يتقبلون الديمقراطية مفهومة كتعبير للدولة عن "الأمة الإسلامية" أو الوصل بينهما، ومن ثم سيكون القرآن هو الدستور والشريعة هي القانون والإسلام هو الحل. ومن المفهوم أن العلمانية تمسي لا معنى لها. فالفصل بين الدين والدولة سيعني الفصل بين الأمة والدولة، أي القضاء على "الديمقراطية" ذاتها.

الأمة السياسية والأمة الدينية
لكن هل ثمة تطابق بين الدين والأمة؟ هل الأمة إسلامية؟ الإجابة الواضحة على هذه السؤال لا مناص منها لأن افتراض إسلامية الأمة هو حجر الزاوية في عقيدة "الإسلام السياسي". وأضعف الإجابات فيما نرى هي تلك التي تقول لسنا كلنا مسلمين، بيننا مسيحيون.. إلخ. وأمتنها هي التي تقول إن "الأمة الإسلامية" هي جزء من أممنا المعاصرة، أو حزب فيها، وقد تكون حزب أقلية. هذا لأن الاجتماع السياسي الحديث مولد لانقسامات متعددة المستويات في كل المجتمعات والثقافات، وهذه الانقسامات تحدد خيارات الأفراد والجماعات مضعفة تأثير المحدد الديني. وصعيد الوحدة الوحيد الممكن في هذه المجتمعات هو الدولة والسياسة، الصعيد المعني بصنع إجماعات أو أكثريات متبدلة، تقوم على أسس من المصلحة والحكمة البشرية والمعرفة الدنيوية. والانقسام المتعدد المستويات قائم في مجتمعاتنا كما في غيرها، ولو تمتعت هذه المجتمعات بسويات أوسع من الحرية لظهر توعها وانقساماتها بصورة أوضح (وربما لطورنا هياكل سياسية صانعة لإجماعات تعدل الفاعلية الانقسامية).
وهنا ينبغي أيضا إجراء التمييز الأساسي بين أمم المواطنين، أو الأمم السياسية، وبين أمة المؤمنين، أو الأمة الدينية. فالأولى تعيش في هذا العالم وتعرف نفسها به، تعاصره وتنازعه وتسهم في تشكيله وتعترض عليه، فيما الثانية تعيش في عالم عقائدها والتزاماتها الدينية الثابتة. وإذا كان يبدو أن أمتنا الدينية تجمع بين الانسحاب من العالم والخروج عليه، فلأنها تريد أن تجعل من نفسها أمة سياسية في الوقت نفسه، أو تجعل من الدين سياسة. لكن من حيث المبدأ، ما من تعارض جذري ونهائي بين الأمتين السياسية والدينية، لكنهما غير متطابقتين، والعلمانية هي صيغة تنظيم العلاقة بينهما. بل إن التمييز بينهما هو شرط العلمانية.
لكن ما الأمة السياسية أو أمة المواطنين؟ وهل تنتظم بلداننا كأمم سياسية؟ وما هي القيم والمعاني والرموز والقوانين والمفاهيم التي تنتظم حولها أمة المواطنين؟ هنا المشكلة. العلمانية الانفصالية تنشغل بفصل الدولة عن قيم ورموز ومعان وقوانين دينية، فلا تجيب على السؤال، أو هي تحيل إلى "العصر" و"العالم" إحالة مجملة، تضمر أن العناصر الثقافية تنتقل من مجتمعات ("متقدمة" و"عصرية") إلى أخرى ("متأخرة") دون إشكال. وهي بذلك تطلب الغيرية دون هوية، أو لا تهتم بوظيفة الهوية أصلا. وبالطبع لن تقوم ثقافة قومية متطورة على ساق واحدة. والديمقراطية الاتصالية لا تجيب، مفترضة أن أمة المواطنين أمر معطى، وأن المشكلة الوحيدة هي انفصال الدولة عنها. أما الإسلاميون فيجنحون إلى تحجير الهوية حين هم، على عكس العلمانيين، يمنحون قيمة مطلقة للهوية أو التطابق مع الذات، ولا يهتمون بوظيفة الغيرية أو التعاون العالمي والمشاركة في العصر. هنا أيضا لا تقوم ثقافة قومية.
العلمانيون لا يهتمون بأساس ثقافي وروحي ورمزي تقوم عليه الأمة، الإسلاميون يعتبرونه موجودا بلا إشكال وهو "الإسلام"، والديمقراطيون يحيلون إحالة مجملة إلى "ثقافتنا". لكن يبدو لنا أن تصور الأمة دون أساس ثقافي وروحي ورمزي، على ما يغلب استخلاصه من مفهوم العلمانية الانفصالية، هو السر في ما تبثه لدينا الأدبيات العلمانية من أنها تغفل شيئا أساسيا، قلما نعرف كيف نسميه. هذا أمر يعني الديمقراطيين أيضا. فالأمة التي يمكن أن تنتظم ديمقراطيا هي أمة متميزة عن الدين، مستقلة عنه. ليست أمة دينية. إنها أمة مكونة من أفراد وشرائح وتشكيلات اجتماعية طوعية، استقل منتسبوها عن روابطهم الدينية والدموية. ليست الأمة الديمقراطية معادية للدين، بل قد تكون أمة متدينة إلى حد كبير، لكنها ليست بالقطع أمة دينية، وبالتأكيد لا يحكمها الدين بل تحكم نفسها.
لكن ما عساه يكون الأساس الروحي والرمزي والثقافي للأمة؟ ليس الدين بالتأكيد لأن الأمة التي تنتظم حوله دينية، والأمة الدينية هي جزء فحسب من أي من "أممنا" الراهنة. وليس العلمانية لأن هذه لا مضمون إيجابيا لها. وليس ثقافتنا الراهنة بما فيها من دين ولا دين كما ربما يرى الديمقراطيون، لأن هذه فاقدة للاتساق وضعيفة الإبداعية، ومن الواضح أنها لا تمثل ثقافة قومية متطورة، تلبي وظيفتي الهوية والغيرية بكفاءة.
إذن، لدينا أساس ثقافي وروحي، لكن الأمة التي تنتظم حوله دينية وجزئية، ولدينا أمة سياسية افتراضية لكنها تفتقر إلى أساس ثقافي وروحي حيوي ومتسق. فهل يمكن تطوير الأساس الثقافي الروحي المتاح ليصلح ميثاقا لأمة جديدة؟ وبالتحديد هل يمكن تجديد الدين الإسلامي أو إصلاحه بما يناسب تكون أمة مواطنين، أي بما يسهل العلمانية ويلائم الديمقراطية؟ لا نرى بديلا عن ذلك.

إصلاح ديني وثقافي
في هذا الصدد، هناك موقفان متطرفان: موقف من يريد عزل الدين تماما أو إقالته من الحياة العامة، وموقف من يعتقد أن الإسلام الحالي يصلح أساسا أو عنصرا أساسيا في اجتماعنا السياسي والثقافي الحديث. ضد هذين ننحاز إلى مبدأ الإصلاح الديني. ونعطي لهذا المفهوم مضمونا يتصل بنفي الإكراه وكل ما يتصل به من الدين، وتعهد إقامة هذا على الوجدان أو الضمير المستقل. ونعتقد كذلك أنه يجب التحرر من أوهام عزل الإسلام أو دحره، لا لأنها متطرفة جدا وعدمية فقط، ولا لأنها تصدر عن روح عدائية عقيم، لا تستطيع أن تفهم أن حضور الإسلام وانتشاره طوال 14 قرنا يعني أنه يستجيب لمطالب وحاجات روحية واجتماعية أصيلة، وإنما كذلك لأن أمة بلا ركائز روحية ومعنوية صلبة وعريقة هي أمة يصعب أن تكون حرة ومبدعة. وهنا نستطرد قليلا في شأن العلمانية العربية، التي يجنح كبار ممثليها وصغارهم بسهولة نحو موقف معاد للدين الإسلامي. ربما هذا ما يمنعهم من تبين أهمية أساس ثقافي وروحي غني للأمة. ونرى في هذا الصدد أنه يتعين فك الارتباط بين العلمانية والعداء للإسلام إن كان للعلمانية أن تكون تيارا فكريا وسياسيا ناهضا ومستقبليا في بلداننا.
من جهة أخرى، دون إصلاح ديني ينبذ الإكراه سترتد الديمقراطية إلى تقنية سياسية أو محض إجراء، لا شيء يضمن الثبات عليه. كذلك دون إصلاح ديني ستفرض العلمانية بالإكراه.
على أن الإصلاح الديني ركن أساسي، أو الأساسي، في إصلاح ثقافتنا بأبعادها الرمزية والأخلاقية والمعرفية والجمالية، باتجاه توسيع طاقتها الاستيعابية وتطوير قدراتها الإبداعية. إن ثقافة رفيعة المستوى، فنيا وفكريا وعلميا..، تلبي من المطالب الروحية ما قد يخفف الضغط على الدين. اعطني ثقافة رفيعة راقية، أضمن لك انفصالا ميسورا للدين عن الدولة. وبالعكس من شأن ثقافة مشتتة الروح، محدودة الإبداعية، قاصرة عن القيام بوظيفتي الهوية والغيرية، أن تكتنفها التمزقات والصراعات والعدوانية وجفاف الروح، وأن تنشغل بالسلطة وتدور حولها، بما في ذلك دينها أو أديانها.
في الختام، ينبغي أن يكون اتضح أصل التنافي بين الديمقراطية والعلمانية في تداولنا الفكري والسياسي المعاصر: غياب الأمة. يريد الديمقراطيون وصل الدولة بالأمة كما لو أن هذه قائمة ونشطة ودون اشتغال على ثقافتها ودينها، ويريد العلمانيون فصل الدين عن الدولة دون اهتمام بقيام الأمة ثقافيا وسياسيا. هذا لا ينجح. ولن ينجح.
فإن كان للديمقراطية والعلمانية أن تتقدما معا، فينبغي أن تولد الأمة. هذا يوجب إصلاحا دينيا ونهوضا ثقافيا.





الرجوع الى أعلى الصفحة اذهب الى الأسفل
 
علمانيون، ديمقراطيون، وإسلاميون؛ لكن أين الأمة؟!
الرجوع الى أعلى الصفحة 
صفحة 1 من اصل 1

صلاحيات هذا المنتدى:لاتستطيع الرد على المواضيع في هذا المنتدى
 :: •.♫°.•ஐ•i|[♥المنتديات العامة♥]|i•ஐ.•.°♫.• :: المنتدى العام-
انتقل الى: